الثلاثاء، 3 أكتوبر 2017

صديقي الجبار ،،،، قصة قصيرة
من زمن ما زلت  أذكره
1/7/ 1404
( باب كاتم للصوت والهواء مصباح أحمر يخبر عن دنيا داخل دنيانا ، قد يخرج منها الإسنان يواصل مشواراً مجهولاً ويخرج منها ويترك خلفه بقايا من دنيا تملؤها الآلام ومشاكل لا تعرف معنى الأرقام والبسمة ترقص فيها كالأمل الراحل قبل الاخصاب . في داخل تلك الغرفة تسقط كل الرايات تخسر كل الغزوات – إلا ما شاء الله – في داخل تكل الغرفة أمل مذبوح ورجاء يصرح في بوح – امنحني يا ربي عاماً – امنحني شهراً – أم – نح – وغابت كل الأصوات) حسام طبيب شاب تعين كجراح في مستشفى ولم يتزوج رغم بلوغه عامه الثلاثين ،  فقلب الطبيب مجروح منذ سنين ولم تستطع كتب الطب أن تبرئ جرحه .
قصة حب ولدت مثل بيوت الحي كالجبل الرابض في حضن تلك الحارات يخشى أن يهرب منها السكان .. فالجبل الجامد ينبض فيه الاحساس كان يناجيه حسام ويعرف ما يكمن في أعماق عبد الجبار فيدلي إليه بكل الأسرار .
وكل مساء يهمس في ود صديقي الجبار رأيتها الليلة تجري بين الأقمار ، تمنحها حباً تمنحها شوقاً .. تزرع في الأفق الأزهار .
صديقي الجبار كانت بالأمس على الشرفة ، تدندن أغنية حلوة ترمي بالفل عل الطرقات تهمس للأطفال : انظر يا خالد على مخبأة خلف الصخرة .. علي يجري ويصيح .. من أفشى بمكاني يضحك خالد ، مرت بجواري قمرية تعرف أسرار وردية . ( ما كذب الطفل أبداً يا جبار وهل هي إلا قمرية ) .
         يهمس حسام في أمل هل تشعر بي يا جبار هل تدرك مأساتي . حسام يسمع في جوفه صوت الأفكار ( حاول أن تبدأ . ألقي أشعاراً ضوئية تحت الشرفة ، ردد موالاً تترنم به كل شروق – ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان وستسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن – وقل للعراف لن أبحث بعد اليوم . فهنا تسكن الحبيبة حيث يتسلل القمر في كل ليلة في خبث وغيوم ليداعب ستائرها في خضوع هنا حيث تلجأ العصافير كل مساء بع رحلة مضنية من الصراع مع الطبيعة وأحجار الأطفال ،، هنا حيث تدهش الورود من عبيرها الزائف .. حيث يذبح قلبي مع كل غروب ويهدي دمه للشفق . هنا تعيش نوال )
         ينطلق حسام وهو يقول : بارك أفكاري يا جبار أغلق حسام باب الحجرة يمشى كالخائف فهو يملك سراً لن يفشيه ، فأخذ ورقة من دفتره المدرسي وأمسك بالقلم وناجاه : أهرب يا قلمي من قيد الكلمات ، احساء القلم الراعش تهمس في نشوة – نوال احساسي شيء لن يوجد – حبي شمسٌ لن تغرب – حبي قمر يحيا دوماً في نصف الشهر – نوال في حبي سرا أبدي كم حاول أن يفضح نفسه .
طوى حسام الخطاب بعناية واحتار أين يخبئه حتى الغد لم يجد مكاناً أمن من صدره .
         وألقى نظرة نحو الرابض في حضن الظلمات وردد في همس . غداً تأتيك الأخبار وفي الغد وقف حسام تحت الشرفة وأخذ يناجي الخطاب ويرجوه أن يكون رقيقاً على يدها .. ويسكب بين سطوره نبضات القلب وأفراح العمر .
         خرجت نوال كالعادة تحمل بعض الأزهار ، لتنثرها بين الأطفال تمسك منديلاً أزرق اهداه البحر لها يوماً في لحظة عشق صوفي .
         تعالت صيحات الأطفال ... هيا نسرع نوال تقذف بالأزهار فليأخذ كل منا زهرة .
فكادت أن ترجع في خجل وقالت : يا ويلي حسام بين الأطفال يا أنبل من في الحي ما تقصد من هذا ؟؟
.. فخطف حسام وردة كالأطفال ونادى يا خالد فلتحمل أغلى ما أملك وردة وخطاب واذهب إلى نوال وقل هذه كلمات مرتعشة تبحث عن حضن دافئ .
         وقف حسام على زمن حائر بين الأمل المزور في قلب الشرفة وبين لياس الرابض في أعماق النفس ومر الوقت بطيئاً جداً عليه .. أحس أن الثواني تتأمر ضده . ولم يعرف ماذا يصنع ، ثم لم تلبث أن ظهرت نوال ... ينبع من عينيها خجل يعبث بالفرحة ، فوضعت وردته في قلب الصفحة وتوارت خلف ستائرها الضوئية .
         أخذ حسام يجري في نشوة لم يعرف أن يده قادته الخطوات نحو الجبار . حسام يهمس في ود . فلترقص أحجار وانثر قبلاك على كل الأحياء ، نوال تبادلني حباً يا جبار ..
وكما الأرض الجديبة حين تغرس فيها رأت الأخصاب ويمزق وحدتها صوت الماء ، وتستمع إلى لحن البقاء فتضطرب في نشوة وتبدوا ابتسامتها الخضراء ، أشرقت نفس حسام بتلك الشمس التي طالما حلم بها )
أفاق حسام من أفكاره أماما هذا الوجه الجميل ، أمام هذا الجسد الممد المستسلم لقضاء الله .. ووضع حسام المشرط على جسد نوال .. وبعد انتهاء العملية أفاقت الأم على صراخ الوليد .. فضمته بحب وبكت وهي تناجيه : عذراً .. يا صغيري فلم أعتد الفرحة .
عرفت نوال فيما بعد أن طبيبها لم يكن إلا حسام . فقالت له بعد أن شكرته : لعل في انقاذك لي تكفيراً عن ذنب ارتكبته يوما ما .
فقال : سيدتي أنا لم أرتكب ذنبا ولكن ليس بالإمكان أن تحدث شيئاً لم يرده الخالق ، وكم كنت أتمنى أن تحدث الأمور على خلاف ما هي عليه الآن ولكن ليتني أعرف كيف حدث هذا .
تنهدت نوال وقالت : لست أدري أأسأل عما فعله الزمن بك من بعدي أم أشكي لك عما فعله بي من بعدك ولكن أعتقد انه ليس هناك ما يقال . فحياتي كشمعة أضاءت ما حولها ولم يعبأ أحد بدمعها واحتراقها : مات أبي ثم أمي فلم يبق لي غير خالتي وهي سيدة فقيرة لم تستطع تحمل أعباء فتاة في السادسة عشر من عمرها ، كتبت إليك كثيراً ولم أجد في خطاباتك غير أشواق ووعود وصبر حتى أحلامي احترقت تحت وهج الواقع ،، وأخيراً بدأت كل أوراقي في الذبول . وتهت في خريف الانتظار .
قال حسام وقد أحس بالغصة .. لم أتصور أن يحدث كل هذا في عنف وقسوة .. كان الأصدقاء يعيشون في غربة وكنت في ألف غربة ، أستذكر درسي تارة وأحدق في الأنجم تارة أحدثها عنك وأعرف أن أفكارنا تتلاقى في عرس ليلي ، وحين انقطعت خطاباتك أدركت أن شيئاً حدث وعرفت كيف تتأمر الأشواق والانتظار في تعذيب النفس ... ومع خطابك الأخير مات الأمل وأخصبت الأحزان في ليل الغربة .
وأخيراً انتهت دراستي وعدت ولست أدري هل أنا حسام الشاب الفقير الذي أصبح طبيباً متفوقاً أم حسام الذي انتزع القدر من بين يديه أغلى ما يملك ولم أدرك أن لمأساتي بقية ، فها هو مولودك الأول يرى نور الحياة على يدي فلا أفضل من أن نخنق الكمة لتبقى رفاتاً في ليل الذكريات .
وبعد عدة أيام غادرت نوال المستشفى وحرص حسام ألا يكون موجوداً في هذا الوقت ، كما حرص على أن يكون قريباً ليراها للمرة الأخيرة وهي حاملة طفلها وترحل به حيث شاءت إرادة الله ، ولم يعرف أين يذهب فغربة النفس أمرُ من غربة الأرض فأحس برغبة في الذهاب إلى بيته القديم وتلك الحارة التي ما زالت تبكي تبدل الأيام وهجرة الأحباب ، أحسب بصراخ الأطفال ما زال يتردد في جنباتها وما زالت العصافير تقفز من سطح إلى سطح تستغرب عبث الصغار بهدوئها وسكينتها .
أخذ يمشي في الأزقة وهو يتذكر كل زاوية وكل حجر وكل نقش على جدار وردد في حزن حتى أطفال اليوم غيرهم بالأمس ، ودخل منزله وفتح النافذة التي طالما أطلق العنان لأفكاره وغفى بين خشباتها ، والقى بنظره نحو صديقه القديم : حتى أنت يا جبار أصبحت بحاجة إلى من يصغي لشكواك فهذه المعاول تنال منك ما تناله الأحزان منا ، وتجثم على صدرك البيوت وكأنما تحاول أن تحجب عنك الحارات التي طالما أحببتها .
صديقي الجبار هل كتب علينا أن يفقد كل منا حبيبته .. وبدأ الظلام يداعب الأفق منذراً بليل طويل .
فارتعشت مكامن الألم ، واعتزت أوتار الذكريات.. تنهد حسام في وحشة وراح يفكر ..
تراكم من اللحظات السعيدة التي يمكن أن نعيشها فتضيع بأيدينا .. تراكم من لحن اسكتناه بتصرف أحمق . تراكم من المشاكل التي استترت خلف عجزنا وشكوانا دون أن نتكلف عناء المحاولة .
تراكم من غصن أخضر منعنا عنه الماء ثم بكيناه ..!!!
.
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوثيقة ... قصة قصيرة
23/8/1408هـ
لم تستطع كل الهمهمات أن تنتزعه من أفكاره المتناقضة في موقف انصهرت فيه مشاعر الكل في بوتقة من السعادة ، كأنه يقف شاهداً على قسوة الزمن ، فها هي سنوات من العمر وقد تناثرت على ورقة صغيرة ، بكل ما فيها من مشاعر الفرح والحزن والترقب والانتظار ، كان يمسك تلك الورقة ويركض خلف حروفها وكلماتها وكأنها تصدر صوتاً غريباً ويكتنفها صدى رهيب ، نعم أنها مجرح ورقة ولكنها تمثل حداً فاصلاً بين كثير المتغيرات ، انه يحاول ألا يذكر هذه المتغيرات حتى لا تسقط من عينه دمعة في موقف كهذا ، وكأنه يخشى أن يعجز الكل من أن يجدوا تفسيراً لهذه الدمعة في موقف كهذا ، نعم فهو يشكو في تلك اللحظة من شذوذ الأحاسيس ، وهو لا يخشى مثل هذا الشذوذ فقد كان دائماً يحس بالرغبة في التميز وان كان تميزاً أحمقاً .
وفي تلك اللحظة أشفق على نفسه من تلك الأفكار وحاول أن يخرج من أبعاده المضطربة ويصغي لتلك الهمهمات التي أطلت من بين كلماتها وحروفها المتناثرة ذكريات السنوات الجامعية ، فقد كانت مزيجاً من التعابير الغريبة ، فينما كان البعض يتحدث عن المستقبل وما يطمح في تحقيقه انصرف البعض الأخر إلى الاحتجاج والاعتراض على ما قد يراه من وجهة نظره خطأ يجب أن يزال أو أسلوب لأستاذ معين في طريقة تدريسه أو وضع الامتحانات وقال في نفسه ( أين كل هذه الملاحظات أثناء الدراسة ولماذا جمعت كل هذه الملاحظات في هذا الموقف .... أه .. إذن لابد أنها الوثيقة ) .
وحين تدافع الجميع إلى غرفة المدير لتوقيع الوثائق خيل إليه بأنهم لا يطيقون صبراً عن تلك الثواني التي تحجبهم عن توقيع تلك الورقة التي طوت بين سطورها سنوات جميلة ، بل هي من أجمل أيام العمر وكأنهم يحاولون أن يتأكدوا من انتهائها وانقضاء أخر يوم منها ، أما هو فقد ظن أن بإمكانه ان يسرق من الزمن بضع ثوان في تراجعه عن توقيعها ، بلد لقد فكر مراراً أن يعود دون توقيعها لعله يكسب يوماً أخر ، لقد كان يدرك أن العمر كالشمعة لن ندرك نقصها إلا حين تخبو شعلتها ، ما أتعس الإنسان في تعامله مع الزمن ، فالأيام تمضي والشهور تنقضي والسنين تتلاشى وكأنها لم تكن ولا يدرك ذلك إلا حين يهر كيانه حدث ما ، فتعصره تلك الأحاسيس الخفية في لحظة واحة بعد أن جمع بين مخالبها ذكريات حلوها ومرها مؤلم ، وانتبه من أفكاره تلك على صوت المدير وهو ينادي عليه متعجباً من وقفته تلك وكأنه متهم ينتظر الحكم ويراقب عقاب الساعة النائمة فوق الحائط وكأنها الخصم والحكم .. أه .. وكم كانت دقاتها عنيفة لا ترحم .. نادى عليه المدير وهو ما زال يرقب الساعة عسى أن يدركها التعب فتتوقف أو يصيبها الملل فتسرع ، وأخيراً لم يجد بداً من تقديم الوثيقة للتوقيع بعد أن صار وحيداً في الحجرة .
وشعر بعقارب الساعة وهي تحدق بفضول في هذا الموقف وتطلق العنان لدقاتها وهي تزمجر بعنف وبدا المدير بالتوقيع عليها ، وأخذ يرقب تداخل الخطوط وتشابكها وهي تكمل خيوط المؤامرة التي حاكها الزمن ، وأحس بها تتلوى حول عنقه ، وفكر أن يهرب ويترك الوثيقة حين شعر بمخالب الزمن تعصر كل ذرة في ذاته .. ولكن هيهات فقد وقعت الوثيقة . 


صديقي الجبار ،،،، قصة قصيرة من زمن ما زلت  أذكره 1/7/ 1404 ( باب كاتم للصوت والهواء مصباح أحمر يخبر عن دنيا داخل دنيانا ، قد يخرج من...